فصل: قال ابن زنجلة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن زنجلة:

104- سورة الهمزة:
{الذي جمع مالا وعدده} 52
قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي {جمع مالا} بالتشديد لتكرير الفعل لأنه جمعه من ها هنا وها هنا لم يجمعه في يوم ولا يومين ولا شهر ولا شهرين ولا سنة ولا سنتين وأخرى وهي أنه أتى عقيبه فعل مشدد فشدد الميم إذ أتى في سياقه ليأتلف الكلام على نظام واحد فشدد جمع لتشديد عدده إذ لم يقل عده.
وقرأ الباقون {جمع} بالتخفيف من جمعت جمعا وحجتهم إجماع الجميع في قوله: {خير مما يجمعون} فإلحاق ما اختلفوا فيه بما أجمعوا عليه أولى.
{في عمد ممددة}
قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر {في عمد} بضم العين والميم وقرأ الباقون بنصبهما فمن ضم فلأنه جمع عمود عمد نحو صبور وصبر ويقال واحدها عماد كما تقول حمار وحمر وإهاب وأهب ومن قرأ {عمد} قالوا واحدها عمدة كما تقول بقرة وبقر وثمرة وثمر وعمدة وعمد قالوا في جمع عمود عمد وقالوا أيضا أفيق وأفق وأديم وأدم وعمود وعمد وهذا اسم من أسماء الجمع غير مستمر. اهـ.

.فصل في فوائد لغوية وإعرابية وبلاغية في جميع آيات السورة:

.قال في الجدول في إعراب القرآن الكريم:

سورة الهمزة:
بسم الله الرحمن الرحيم

.[سورة الهمزة: الآيات 1- 3]

{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ (3)}

.الإعراب:

{ويل} مبتدأ مرفوع، {لكلّ} متعلق بخبر المبتدأ، {لمزة} نعت لهمزة مجرور مثله..
جملة: {ويل لكلّ...} لا محلّ لها ابتدائيّة.
2- 3 {الذي} موصول بدل من (كلّ) في محلّ جرّ..
وجملة: {جمع...} لا محلّ لها صلة الموصول {الذي}.
وجملة: {عدّده...} لا محلّ لها معطوفة على جملة الصلة.
وجملة: {يحسب...} في محلّ نصب حال من فاعل عدّد..
والمصدر المؤوّل {أنّ ماله أخلده..} في محلّ نصب سدّ مسدّ مفعولي {يحسب}.
وجملة: {أخلده} في محلّ رفع خبر أنّ.

.الصرف:

(1) {همزة}: صيغة مبالغة أي المكثر من الهمز، والتاء فيه للمبالغة، وزنه فعلة بضمّ وفتحتين.
{لمزة}، مثل همزة صيغة ومعنى.. وفي المختار: الهمز كاللمز وزنا ومعنى وبابه ضرب، وفيه أيضا اللمز العيب وأصله الإشارة بالعين وبابه ضرب ونصر.

.الفوائد:

العبرة بعموم المعنى، لا بخصوص السبب:
اختلف المفسرون فيمن نزلت هذه السورة، فقيل: نزلت في الأخنس بن شريق بن وهب، كان يقع في الناس ويغتابهم وقال محمد بن إسحاق: ما زلنا نسمع سورة الهمزة، نزلت في أمية بن خلف الجمحي وقيل: نزلت في الوليد بن المغيرة، كان يغتاب النبي صلى الله عليه وسلم من ورائه ويطعن عليه في وجهه وقيل نزلت في العاص بن وائل السهمي.
وقيل: هي عامة في كل شخص هذه صفته، كائنا من كان، وذلك لأن خصوص السبب لا يقدح في عموم اللفظ والحكم.
يقال: رجل لعنة- بضمّ ففتح لمن يكثر لعن غيره، ورجل لعنة- بضمّ فسكون- لمن يلعنه الناس ويكثرون.

.[سورة الهمزة: الآيات 4- 9]

{كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّها عَلَيْهِمْ مؤصدة (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)}

.الإعراب:

{كلّا} للردع والزجر (اللام) لام القسم لقسم مقدّر (ينبذنّ) مضارع مبنيّ للمجهول مبنيّ على الفتح في محلّ رفع، و(النون) نون التوكيد، ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره هو أي الهمزة اللمزة {في الحطمة} متعلق بـ: (ينبذنّ).
جملة: {ينبذنّ...} لا محلّ لها جواب القسم المقدّر.. وجملة القسم المقدّرة لا محلّ لها استئنافيّة.
5- 7 (الواو) اعتراضيّة {ما} اسم استفهام في محلّ رفع مبتدأ في الموضعين {نار} خبر لمبتدأ محذوف تقديره هي {الموقدة} نعت لنار {التي} موصول في محلّ رفع نعت ثان لنار {على الأفئدة} متعلق بـ: {تطّلع}..
وجملة: {ما أدراك...} لا محلّ لها اعتراضيّة.
وجملة: {أدراك...} في محلّ رفع خبر المبتدأ (ما).
وجملة: {ما الحطمة} في محلّ نصب مفعول به ثان لفعل {أدراك}.
وجملة: {(هي) نار اللّه...} لا محلّ لها استئناف بيانيّ.
وجملة: {تطّلع...} لا محلّ لها صلة الموصول (التي).
8- 9 {عليهم} متعلق بـ: {مؤصدة}، {في عمد} متعلق بمحذوف خبر ثان لـ: {إنّ}..
وجملة: {إنّها... مؤصدة} لا محلّ لها استئنافيّة.

.الصرف:

(4) {الحطمة}: صيغة مبالغة وزنه فعلة بضمّ وفتحتين من الثلاثيّ حطم باب ضرب بمعنى كسر، واستعمل في الآية الكريمة اسما للنار لأنها تحطم ما تلتقمه.
(6) {الموقدة}: مؤنّث الموقد، اسم مفعول من الرباعيّ أوقد، وزنه مفعل بضمّ الميم وفتح العين.
(9) {ممدّدة}: مؤنّث الممدّد، اسم مفعول من الرباعيّ مدّد، وزنه مفعّل بضمّ الميم وفتح العين المشدّدة.

.البلاغة:

المقابلة: في قوله تعالى: {لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ}. بعد قوله تعالى: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ}.
مقابلة لفظية رائعة البلاغة، فإنه لما وسمه بهذه السمة، بصيغة دلت على أنها راسخة فيه، ومتمكنة منه، أتبع المبالغة المتكررة في الهمزة واللمزة بوعيده بالنار التي سمّاها الحطمة، لما يكابد فيها من هول، ويلقى فيها من عذاب. واختار في تعيينها صيغة مبالغة على وزن الصيغة التي ضمنها الذنب المقترف حتى يحصل التعادل بين الذنب والجزاء. اهـ.

.قال العلامة محيي الدين الدرويش:

(104) سورة الهمزة مكيّة وآياتها تسع.
بسم الله الرحمن الرحيم

.[سورة الهمزة: الآيات 1- 9]

{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّها عَلَيْهِمْ مؤصدة (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)}

.اللغة:

{هُمَزَةٍ} في المختار: الهمز كاللمز وزنا ومعنى وبابه ضرب. وفيه أيضا واللمز: العيب وأصله الإشارة بالعين ونحوها وبابه ضرب ونصر. والتاء فيهما للمبالغة في الوصف وقد تقدم أن بناء فعلة بضم الفاء وفتح العين لمبالغة الفاعل أي المكثرة لمأخذ الاشتقاق وبناء فعلة بضم الفاء وسكون العين لمبالغة المفعول يقال: رجل لعنة بضم اللام وفتح العين لمن كان يكثر لعن غيره ولعنة بضم اللام وسكون العين إذا كان ملعونا للناس يكثرون لعنه وعبارة السمين: والعامة على فتح ميميهما على أن المراد الشخص الذي يكثر منه ذلك الفعل.
وقرأ الباقون بالسكون وهو الذي يهمز ويلمز أي يأتي بما يهمز به ويلمز كالضحكة لمن يكثر ضحكه والضحكة لمن يأتي بما يضحك منه وهو مطّرد أعني أن فعله بفتح العين لمن يكثر منه الفعل وبسكونها لمن يكثر الفعل بسببه.
وعبارة ابن خالويه والهاء في همزة دخلت للمبالغة في الذم كقولهم رجل همزة لمزة أي عياب مغتاب ورجل فروقة صخابة جخّابة: كثير الكلام والخصومات نقّاقة مهذارة هلباجة.
قال الأصمعي: سألت أعرابيا عن الهلباجة فقال: هو الطويل الضخم الأحمق الكثير الفضول الكثير الأكل السيّء الأدب وإن وقفت نعتّه إلى غد فليس في العيوب شيء أسوأ من الهلباجة. فلما دخلت الهاء لذلك استوى المذكر والمؤنث فقيل امرأة همزة ورجل همزة وأمرأة فروقة ورجل فروقة ولا يثنى ولا يجمع يقال: رجال همزة ونساء همزة، قال النحويون: إذا أدخلوا الهاء في الممدوح ذهبوا به مذهب الداهية ذي الإربة وهو العقل كما قيل رجل علّامة ونسّابة فإذا أدخلوا الهاء في المذموم ذهبوا به مذهب البهيمة ومثله قوله: {بل الإنسان على نفسه بصيرة} الهاء للمبالغة ومثله قوله تعالى: ولا تزال تطلع على خائنة منهم، الهاء للمبالغة وأنشد:
تدلي بودّي إذا لاقيتني كذبا ** وإن أغيب فأنت الهافر اللمزه

فالهافر المغتاب واللامز العيّاب قال اللّه تعالى: {ومنهم من يلمزك في الصدقات}، أي يصيبك، والذي استخلصناه من كتب اللغة هو التصريف التالي لكليهما.
يقال: همزه يهمزه بضم الميم وبكسرها همزا غمزه وضغطه ونخسه ودفعه وضربه وعضّه واغتابه في غيبته فهو همّاز وهمزة كسرة.
وهمز الشيطان الإنسان: همس في قلبه وسواسا وهمز به الأرض صرعه وهمز الفرس: نخسه بالمهماز ليعدو وهمز العنب أو رأسه عصره وهمز الكلمة أو الحرف نطق بها بالهمز أو وضع لها علامة الهمز.
ويقال: لمزه يلمزه بضم الميم وبكسرها لمزا: عابه وأشار إليه بعينه ونحوها مع كلام خفي ودفعه وضربه ولمزه الشيب: ظهر فيه وقال سعيد بن جبير: الهمزة الذي يهمز الناس بيده ويضربهم واللمزة الذي يلمزهم بلسانه ويعيبهم.
وقال ابن كيسان: الهمزة الذي يؤذي جليسه بسوء اللفظ واللمزة الذي يكسر عينه ويشير برأسه ويرمز بحاجبه، وهناك أقوال أخرى ترجع كلها إلى أصل واحد وهو الطعن وإظهار العيب.
{عَدَّدَهُ} قال الشهاب الحلبي المعروف بالسمين: العامة على تثقيل الدال الأولى وهو أيضا للمبالغة وقرأ الحسن والكلبي بتخفيفها فمن شدّد ميمه نظر للمبالغة والتكثير ومن خفف ميمه جعله محتملا للتكثير وعدمه. والمعنى جمعه وضبط عدده وأحصاه.
{لَيُنْبَذَنَّ} ليطرحنّ وعبارة ابن خالويه ومعنى ينبذن يتركن في جهنم قال اللّه تعالى: فنبذوه وراء ظهورهم أي تركوه والصبيّ المنبوذ المتروك وهو ولد الحركة والمدغدغ وابن الليل وهو ولد الخبيثة وهو النّفل وابن المساعاة كله ولد الزناء.
{الْحُطَمَةِ} من أسماء النار أي التي تحطم كل ما ألقي فيها، وفي المختار: حطمه من باب ضرب أي كسره فانحطم وتحطم والتحطيم التكسير والحطمة من أسماء النار لأنها تحطم ما تلتقم.
{مؤصدة} مطبقة قال: تحنّ إلى جبال مكة ناقتي ومن دونها أبواب صنعاء مؤصدة.
{عَمَدٍ} قرئ بفتحتين وبضمتين وبضم فسكون أما الأولان فهما جمعان لعمود، ففي كتب اللغة: العمود ما يقوم عليه البيت وغيره وقضيب الحديد والجمع أعمدة وعمد وعمد وأما الثالث فهو تخفيف لقراءة {عمد} بضمتين، وعبارة ابن خالويه: والعمد جمع عمود ولم يأت في كلام العرب على هذا الوزن إلا أحرف أربعة: أديم وأدم وعمود وعمد وأفيق وأفق وإهاب وأهب، وزاد الفراء خامسا قضيم وقضم يعني الصحكاك والجلود وقرأ أهل الكوفة {في عمد} بضمتين وهو أيضا جمع عمود مثل رسول ورسل وروى هارون عن أبي عمرو في عمد بسكون الميم تخفيفا مثل رسول ورسل.

.الإعراب:

{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ الَّذِي جَمَعَ مالًا وَعَدَّدَهُ} {ويل} مبتدأ و{لكل همزة} خبره وسوّغ الابتداء به مع أنه نكرة ما تضمنه من معنى الدعاء عليهم بالهلكة، وعبارة ابن خالويه فإن سأل سائل: فقال: {ويل} نكرة والنكرة لا يبتدأ بها فما وجه الرفع؟ فقل النكرة إذا قربت من المعرفة صلح الابتداء بها نحو خير من زيد رجل من بني تميم ورجل في الدار قائم وكذلك ألف الاستفهام مسهلة الابتداء بالنكرة نحو قوله أمنطلق أخوك هذا قول، وقال آخرون: {ويل} معرفة لأنه اسم واد في جهنم نعوذ باللّه منه.
فإن قيل: وهل تعرف العرب ذلك؟ فقل إن ألفاظ القرآن تجيء لفظا عربيا مستعارا كما سمى اللّه تعالى الصنم بعلا حيث اتخذ ربا والصنم عذابا ورجزا. فقال: {والرجز فاهجر} لأن من عبد الصنم أصابه الرجز فسمي باسم مسبّبه فلما كان الويل هلاكا وثبورا ومن دخل النار فقد هلك جاز أن يسمّى المصير إلى الويل ويلا وكذلك {فسوف يلقون غيا} قيل واد في جهنم نعوذ باللّه منه. ويجوز في النحو ويلا لكل همزة على الدعاء أي ألزمه اللّه ويلا قال جرير:
كسا اللؤم تيما خضرة في جلودها ** فويلا لتيم من سرابيلها الخضر

بالنصب الرواية الصحيحة وأجاز الكوفيون: ويل وويل وويل وويلا على حسم الإضافة على إرادتها والويس كلمة أخف من الويل والويح كلمة أخفّ من الويس والويب كلمة أخف من الويح. ويل لزيد وويله وويحه وويسه ويبه فمتى انفرد جاز فيه الرفع والنصب ومتى أضيف لم يكن إلا منصوبا لأنه يبقى بلا خبر ومتى انفصل جعلت اللام خبرا وقال الحسن: ويح كلمة رحمة.
فإن قيل: كيف تصرف الفعل من ويح وويس وويل؟ فقل: ما صرّفت العرب منها فعلا، فأما هذا البيت المعمول:
فما وال وما واح ** وما واس أبو زيد

فلا تلتفتنّ إليه فإنه مصنوع خبيث. ولمزة بدل من همزة وهذه عبارة ابن خالويه:لمزة بدل منه والمهمزة عصا في رأسها حديدة تكون مع الرائض يهمز بها الدابة والجمع مهامز، قال عدي يصف فرسا:
نصفه جوزه نصير شواه ** مكرم من مهامز الرّوّاض

وأنشد أبو محلّم:
هل غير همز ولمز للصديق ** ولا ينكي عدوكم منكم أظافير

وقيل تأكيد لهمزة تأكيدا لفظيا بالمرادف والذي بدل من كل بدل المعرفة من النكرة أو نصب بفعل محذوف على الذم وأعربها ابن خالويه نعتا لكل همزة لمزة وليس ببعيد.
وجملة {جمع} صلة للذي لا محل له وفاعل {جمع} مستتر تقديره هو يعود على {كل همزة لمزة} و{مالا} مفعول به و{عدده} عطف على {جمع}.
وعبارة ابن خالويه: {وعدده} نسق عليه والمصدر عدّد يعدّد تعديدا فهو معدّد والهاء مفعول به وقرأ الحسن: {جمع مالا وعدّده} بالتخفيف أي جمع مالا وعرف عدده وأحصاه فمن خفف جعل العدد مصدرا واسما ومن شدّد جعله فعلا ماضيا. وهذا قول في معنى التخفيف وقيل وجمع عدد نفسه من عشيرته وأقاربه وعدده وهي على هذا التأويل اسم أيضا معطوف على {مالا} أي وجمع عدد المال أو عدد نفسه وقيل أيضا إن {عدده} فعل ماض بمعنى عدّه إلا أنه شذّ في إظهاره والقياس الإدغام كما شذّ الشاعر في قوله:
إني أجود لأقوام وإن ضنّوا

أي بخلوا.
{يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ} الجملة حال من فاعل {جمع} أي حاسبا ظانّا أن المال سيخلده أي يوصله إلى رتبة الخلود فلا يموت ويجوز أن تكون مستأنفة استئنافا بيانيا واقعا في سؤال كأنه قيل: ما باله يجمع المال ويهتم به، وأن واسمها وجملة {أخلده} خبرها وأن وما في حيّزها سدّت مسدّ مفعولي {يحسب}.
وفي المختار: الخلد بالضم البقاء وبابه دخل وأخلده اللّه وخلد تخليدا.
{كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ} {كلا} ردع وزجر له عن حسبانه أي ليس الأمر كما دار في خلده من أن المال يخلده واللام جواب قسم محذوف وينبذنّ فعل مضارع مبني للمجهول ومبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة ونائب الفاعل مستتر تقديره هو والجملة لا محل لها لأنها جواب القسم و{في الحطمة} متعلقان بينبذنّ والواو حرف عطف و{ما} اسم استفهام في محل رفع مبتدأ وجملة {أدراك جملة} فعلية في محل رفع خبر و{ما اسم} استفهام مبتدأ و{الحطمة خبر} والجملة الاسمية المعلقة بالاستفهام سدّت مسدّ مفعول {أدراك الثاني} وقد تقدمت له نظائر كثيرة و{نار اللّه} خبر لمبتدأ محذوف أي هي نار اللّه و{الموقدة نعت} للنار، وأجاز ابن خالويه أن تكون بدلا من {الحطمة} و{الموقدة} نعت لـ: {نار اللّه} وعبارته: {نار اللّه الموقدة}: إن شئت جعلت النار بدلا وإن شئت رفعتها بخبر مبتدأ مضمر أي هي نار اللّه واسم اللّه تعالى جر بالإضافة و{الموقدة} نعت للنار وزنها مفعلة من أوقدت أوقد إيقادا فأنا موقد والنار موقدة وقد وقدت النار نفسها تقد وقدا ووقودا بضم الواو فهي واقدة قال اللّه تعالى: {وقودها الناس والحجارة}، يعني حجارة الكبريت والوقود بالفتح الحطب وقرأ طلحة {وقودها} بضم الواو جعله مصدرا قال الشاعر- حاتم الطائي-:
ليلك يا موقد ليل قرّ ** والريح مع ذلك ريح صرّ

أوقد يرى نارك من يمرّ ** إن جلبت ضيفا فأنت حر

وهذا أحسن ما قيل في معناه.
{الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ} {التي} نعت للنار ويجوز أن تكون في محل رفع أيضا خبرا لمبتدأ محذوف وجملة {تطّلع} صلة التي لا محل لها وفاعل {تطّلع} هي يعود على النار و{على الأفئدة} متعلقان بـ: {تطّلع} ووزن {تطّلع} تفتعل أبدلت تاء الافتعال طاء لوقوعها بعد طاء وكذلك تبدل طاء إذا وقعت صاد أو ضاد أو ظاء قال عروة بن أدينة:
عاود القلب خيال ردعه ** كلما قلت تناهى اطلعه

يا له داء ترى صاحبه ** ساهم الوجه له ممتقعه

{إِنَّها عَلَيْهِمْ مؤصدة فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} إن واسمها و{عليهم} متعلقان بـ: {مؤصدة} و{في عمد} صفة لـ: {مؤصدة} وإليه ذهب أبو البقاء فتكون النار داخل العمد وقيل بمحذوف خبر لمبتدأ مضمر ورجح السمين أن يكون حالا من الضمير في {عليهم} أي موثقين و{ممددة} نعت للعمد.